تثبيت أسعار المستهلك بالصين وسط تحديات انكماشية ومنافسة مفرطة

شهدت أسعار المستهلك في جمهورية الصين الشعبية استقرارًا ملحوظًا خلال شهر يوليو، ممّا يشير إلى تراجع ملموس في الضغوط الانكماشية التي كانت تثقل كاهل الاقتصاد، وذلك تزامنًا مع التزام الحكومة الصينية الراسخ باحتواء المنافسة المفرطة في الأسواق المحلية.
أفاد المكتب الوطني للإحصاء في تقرير رسمي صدر يوم السبت بأن مؤشر أسعار المستهلك بقي ثابتًا دون أي تغيير يُذكر مقارنةً بمستواه في العام السابق. الجدير بالذكر أنّ متوسط تقديرات الاقتصاديين الذين استطلعت آراءهم وكالة بلومبرغ الاقتصادية كان يشير إلى انخفاض طفيف بنسبة 0.1%. يذكر أن التضخم قد أنهى سلسلة من التراجعات المتواصلة التي استمرت أربعة أشهر متتالية في شهر يونيو، ليتحول مساره نحو الارتفاع والاستقرار.
وعلى صعيد آخر، استمر انكماش أسعار المصانع للشهر الرابع والثلاثين على التوالي، حيث سجل مؤشر أسعار المنتجين انخفاضًا بنسبة 3.6%، وهو رقم مماثل للتراجع الذي تم تسجيله في شهر يونيو.
ضعف طلب المستهلكين
ممّا لا شك فيه أن حروب الأسعار تزيد من حدة الضغوط الانكماشية في الصين، حيث لا يزال طلب المستهلكين يعاني من الضعف والهشاشة. وفي هذا السياق، أطلقت الحكومة الصينية حملة واسعة النطاق ترمي إلى كبح جماح المنافسة الشرسة بين الشركات، والتي أدت إلى تآكل الأرباح وخفض الأجور في ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم.
كما تعهدت القيادة الصينية العليا في اجتماعها الشهري الذي عقد أواخر شهر يوليو بتكثيف إدارة الطاقة الإنتاجية الفائضة في الصناعات الرئيسية، إلّا أنها تواجه تحديًا كبيرًا في إنعاش الاقتصاد، وقد يتطلب الأمر بذل جهود أكثر جرأة وفاعلية لتعزيز الطلب المحلي وتحفيز النمو.
توقعات الصينيين لم يطرأ عليها تغيير
يبدو أيضًا أن الحملة التي أطلقتها الدولة لم تُحدث تأثيرًا يُذكر على توقعات الأفراد، حيث انخفض مؤشر توقعات الأسعار، المستند إلى مسح شامل أجراه البنك المركزي للأسر، منذ أواخر العام الماضي، مما يعكس حالة من عدم اليقين والتخوف بشأن المستقبل الاقتصادي.
كما تراجع مؤشر واسع النطاق للأسعار في مختلف قطاعات الاقتصاد، والذي يُعرف باسم معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي، لتسعة أرباع متتالية، وهي أطول سلسلة من التراجعات يشهدها الاقتصاد الصيني منذ عقود طويلة.
تجدر الإشارة إلى أن الطلب القوي على السلع الصينية من الخارج قد ساعد الاقتصاد على الصمود بشكل مفاجئ في مواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية، إلّا أن أرباح الشركات الصناعية تتدهور باستمرار، إذ تواجه الشركات صعوبات جمة في تمرير التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين، وذلك في ظل ضعف القدرة الشرائية وتراجع المعنويات السائدة.
منافسة شرسة في السوق الصينية
دفعت المنافسة الشرسة في السوق المحلية، والتي تغذيها القدرة الصناعية الفائضة، المصدرين إلى خفض الأسعار لتعزيز المبيعات وزيادة الحصص السوقية، مما أثار انتقادات حادة من الخارج وعمّق الاحتكاكات التجارية مع الشركاء التجاريين.
لقد أدرج المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، بقيادة الرئيس شي جين بينغ، هدف معالجة "المنافسة غير المنظمة" بين الشركات كأحد أهم الأولويات عند وضع أجندة السياسة الاقتصادية للفترة المتبقية من العام الجاري، وذلك خلال اجتماعه الشهري الذي انعقد الشهر الماضي.
ما رأي بلومبرغ إيكونوميكس
"ستبقى الصورة العامة على حالها - لا يزال الاقتصاد يواجه طريقًا طويلاً وشاقًا قبل أن يتمكن من النجاة من الضغوط الانكماشية. يُدرك صانعو السياسات تمام الإدراك أن "معالجة المنافسة غير المنظمة" تمثل خطوة أساسية لمعالجة جذور الانكماش، ومن المتوقع أن تتبعها خطوات وإجراءات أخرى."
- إريك تشو.
في شهر يوليو الماضي، أطلق الرئيس شي جين بينغ دعوة صريحة إلى "كسر التحول التراجعي"، مستخدمًا مصطلحًا لوصف حالة مدمرة من التنافس الشديد الناجم عن الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تجبر الأفراد على العمل لساعات طويلة وشاقة رغم تناقص العائدات. كما أعرب الرئيس عن تشككه في حاجة الحكومات المحلية إلى الانخراط في نفس الصناعات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والمركبات التي تعمل بمصادر الطاقة البديلة، مؤكدًا على أهمية التخصص وتوزيع الموارد بشكل فعال.