السعودية تفتح الباب للاستثمار الأجنبي رغم تحديات السوق

作者:بلومبرغ2025年08月21日
السعودية تفتح الباب للاستثمار الأجنبي رغم تحديات السوق

في ظلّ زخمٍ متصاعد من الإصلاحات الاقتصادية، تشهد المملكة العربية السعودية انفتاحًا غير مسبوق على الاستثمارات الأجنبية، مما يعزز من جاذبية البورصة المحلية ويضعها على أعتاب منافسة عالمية مستقبلية، وذلك على الرغم من التباطؤ الحالي في أداء الأسهم وانخفاض حجم التداول.

ففي غضون فترة وجيزة لا تتعدى الأسبوع خلال شهر يوليو، أعلنت المملكة عن حزمة من التعديلات التنظيمية الهامة التي تمنح مواطني دول مجلس التعاون الخليجي حرية أوسع في تداول الأسهم السعودية. كما تتيح هذه التعديلات للشركات الأجنبية إصدار شهادات إيداع، بالإضافة إلى تخفيف القيود المفروضة على الصناديق الاستثمارية ومديري الأصول العاملين في السوق.

وتماشياً مع هذا التوجه، أقرت الحكومة السعودية قانوناً جديداً يهدف إلى تسهيل تملك الأجانب للعقارات.

رسالة التزام سعودي قوي رغم التحديات الراهنة
يؤكد خبراء ومحللون استثماريون من مؤسسات مرموقة مثل "مورجان ستانلي" و"أليانس بيرنشتاين" أن هذه الإصلاحات المتضافرة تعكس بجلاء التزام المملكة الراسخ بالتحول إلى مركز مالي وتجاري عالمي بارز.

وفي هذا السياق، صرحت جيتانيا كاندهاري، نائبة الرئيس التنفيذي للاستثمار في "مورغان ستانلي لإدارة الاستثمارات"، بأن "السعودية تتطلع إلى تبوّء مكانة مرموقة كقوة مالية على الساحة الدولية، وتسعى جاهدة إلى تبني أفضل الممارسات العالمية بهدف تعزيز تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية وتوسيع نطاق الوصول إلى أسواق رأس المال".

وأردفت قائلة: "تشير هذه الإصلاحات المتتالية إلى تحول استراتيجي من اقتصاد يعتمد بشكل أساسي على النفط إلى وجهة استثمارية عالمية جاذبة".

كما تجدر الإشارة إلى أن تطوير أسواق مالية أكثر قوة وتطوراً يمثل حجر الزاوية في تحقيق أهداف "رؤية 2030" الطموحة.

تنويع قاعدة الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط
تعمل المملكة العربية السعودية على استقطاب الاستثمارات الأجنبية بهدف تحفيز النشاط الاقتصادي ودعم القطاعات الاقتصادية الواعدة، وذلك في إطار جهودها الحثيثة لتقليل اعتمادها على الإيرادات النفطية.

وفي سبيل تشجيع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، اتخذت السعودية خطوات فعالة لتنويع الطروحات العامة الأولية، وكثفت جهودها لجذب شركات التداول عالي التردد، بالإضافة إلى تخفيف القيود التي كانت تعيق دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق.

ومن العلامات الدالة على التقدم المحرز في هذا المسار، بلوغ حصة المستثمرين الأجانب من خارج دول مجلس التعاون الخليجي رقماً قياسياً قدره 35% من إجمالي مشتريات الأسهم خلال الربع الثاني من العام، وذلك وفقاً لبيانات "بلومبرغ إنتليجنس".

تقييمات الأسهم السعودية في سياق الأسواق العالمية
شهدت الفترة الأخيرة انخفاضاً في تقييمات الأسهم السعودية لتصل إلى أدنى مستوياتها مقارنة بالأسواق العالمية منذ حوالي تسع سنوات، وذلك نتيجة موجة بيع واسعة النطاق.

وخلال شهر يوليو، تم تداول الأسهم السعودية المدرجة في مؤشر "تاسي" بخصم بلغ 32% مقارنة بالأسهم المدرجة في مؤشر "MSCI ACWI"، وذلك استناداً إلى مضاعف الربحية المتوقع.

وفي الوقت نفسه، تراجع متوسط قيمة التداول اليومية في يوليو إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من عامين، مسجلاً 1.25 مليار دولار، وذلك نتيجة تراجع عمليات الشراء من قبل المستثمرين المحليين، وفقاً لما ذكره دنيز بيسيروغلو ونيكولاس فيليبس، المحللان لدى "بلومبرغ إنتليجنس".

ومن المتوقع أن يستغرق تطبيق الإصلاحات الأخيرة بعض الوقت قبل أن يظهر تأثيرها الملموس على نشاط التداول في السوق.

كما تشهد الصناديق الاستثمارية التي تستثمر في الأسهم السعودية تدفقات مالية مستمرة هذا العام، مما يضع المملكة في المرتبة الرابعة بين دول أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا من حيث حجم الأموال المخصصة للاستثمار فيها، وذلك استناداً إلى بيانات مؤسسة (EPFR).

ويرى سامي سوزوكي، رئيس قسم الأسهم في الأسواق الناشئة لدى "أليانس برنشتاين"، أن المزيد من الانخفاض في تقييمات الأسهم قد يجذب المزيد من المستثمرين الأجانب. وأضاف أن نشاط المستثمرين الأجانب قد بدأ بالفعل في الارتفاع خلال شهري مايو ويونيو الماضيين.

واختتم سوزوكي حديثه قائلاً: "نحن نراقب عن كثب جميع الإصلاحات، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، التي يمكن أن تسهم في زيادة السيولة في السوق وتوسيع قاعدة الشركات المتاحة للاستثمار فيها".

فتح السوق السعودية على مصراعيه أمام مستثمري الخليج
أكدت هيئة السوق المالية في بيان لـ"بلومبرغ" أن فتح المجال أمام مواطني دول الخليج يمثل "خطوة منطقية وطبيعية" في ضوء العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية الوثيقة التي تربط دول المنطقة، مشيرة إلى أنها تدرس حالياً إمكانية فتح السوق أمام جميع المستثمرين من مختلف أنحاء العالم.

وبات بإمكان مواطني دول مجلس التعاون الخليجي فتح حسابات استثمارية وتداول الأسهم مباشرة في السوق الرئيسية للمرة الأولى في تاريخها.

كما سيتم السماح لهم بمواصلة التداول حتى بعد انتقالهم للإقامة خارج المنطقة.

شهادات الإيداع تمثل اختباراً جديداً للأسواق
يمثل إطلاق شهادات الإيداع السعودية، التي تتيح للشركات الأجنبية إصدار شهادات محلية مرتبطة بأسهمها العالمية ومقوّمة بالريال السعودي، اختباراً حقيقياً لمدى إقبال هذه الشركات على السوق السعودية وما تحمله من فرص استثمارية واعدة.

تتلقى مجموعة تداول السعودية، المشغّلة لسوق الأسهم، طلبات من البنوك التي تتولى إصدار شهادات الإيداع والشركات الراغبة في الإصدار، وأكدت لـ"بلومبرغ" أنها تتوقع أن تكون إجراءات الموافقة والجداول الزمنية مماثلة لتلك المعتمدة في حالات الإدراج المزدوج أو الطروحات العامة الأولية. ومع ذلك، يظل الوقت هو العامل الحاسم في تحديد النتائج النهائية.

وفي ختام حديثها، صرحت كاندهاري من "مورجان ستانلي" قائلة: "تحتاج الإصلاحات إلى فترة زمنية طويلة حتى تؤتي ثمارها المرجوة. وعلى المدى القصير إلى المتوسط، سيظل النمو الاقتصادي، الذي لا يزال يعتمد إلى حد كبير على أسعار النفط، هو العامل الأساسي المحدد لأداء السوق السعودية".